فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن سيرين رضي الله عنه في قوله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} قال لا إله إلا الله.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} قال: يعفوا عن السيئة.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} قال: لا يقول له مثل ما يقول، بل يقول له: يرحمك الله، يغفر الله لك.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه قال: نزغ الشيطان تحريشه.
وأخرج البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يشيرن أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزغ في يده، فيقع في حفرة من نار».
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {إن الشيطان كان للإنسان عدوًّا مبينًا} قال: عادوه، فإنه يحق على كل مسلم عداوته، وعداوته أن تعاديه بطاعة الله.
{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن جريج في قوله: {ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم} قال: فتؤمنوا {وإن يشأ يعذبكم} فتموتوا على الشرك كما أنتم.
{وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} قال: اتخذ الله إبراهيم خليلًا، وكلم موسى تكليمًا، وجعل عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فكان، وهو عبد الله ورسوله من كلمة الله وروحه، وآتى سليمان ملكًا عظيمًا لا ينبغي لأحد من بعده، وآتى داود زبورًا، وغفر لمحمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} قال: كلم الله موسى، وأرسل محمدًا إلى الناس كافة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وآتينا داود زبورًا} قال: كنا نحدث أنه دعاء علمه داود وتحميد أو تمجيد الله عز وجل ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الربيع بن أنس رضي الله عنه قال: الزبور ثناء على الله ودعاء وتسبيح.
وأخرج أحمد في الزهد، عن عبد الرحمن بن مردويه قال: في زبور آل داود ثلاثة أحرف: طوبى لرجل لا يسلك سبيل الخطائين، وطوبى لمن لم يأتمر بأمر الظالمين، وطوبى من لم يجالس البطالين.
وأخرج أحمد في الزهد، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: في أول شيء من مزامير داود عليه السلام: طوبى لرجل لا يسلك طريق الخطائين ولم يجالس البطالين، ويستقيم على عبادة ربه عز وجل، فمثله كمثل شجرة نابتة على ساقية لا يزال فيها الماء يفضل ثمرها في زمان الثمار، ولا تزال خضراء في غير زمان الثمار.
وأخرج أحمد، عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال: قرأت في بعض زبور داود عليه السلام تساقطت القرى وأبطل ذكرهم، وأنا دائم الدهر مقعد كرسي للقضاء.
وأخرج أحمد، عن وهب رضي الله عنه قال: وجدت في كتاب داود عليه السلام أن الله تبارك وتعالى يقول: بعزتي وجلالي إنه من أهان لي وليًا، فقد بارزني بالمحاربة، وما ترددت عن شيء أريد، ترددي عن موت المؤمن، قد علمت أنه يكره الموت ولابد له منه، وأنا أكره أن أسوءه قال: وقرأت في كتاب آخر: ان الله تبارك وتعالى يقول: كفاني لعبدي مالًا إذا كان عبدي في طاعتي أعطيته قبل أن يسألني، واستجبت له من قبل أن يدعوني، فإني أعلم بحاجته التي ترفق به من نفسه قال: وقرأت في كتاب آخر: إن الله عز وجل يقول: بعزتي إنه من اعتصم بي وإن كادته السموات بمن فيهن، والأرضون بمن فيهن، فإني أجعل له من بين ذلك مخرجًا، ومن لم يعتصم بي، فإني أقطع يديه من أسباب السماء، وأخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء، ثم أكله إلى نفسه.
وأخرج أحمد، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: في حكمة آل داود وحق على العاقل أن لا يشتغل عن أربع ساعات: ساعة يناجي ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفضي فيها إلى اخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن هذه الساعات: عون على هذه الساعات، وإجماع للقلوب، وحق على العاقل أن يكون عارفًا بزمانه، حافظًا للسانه، مقبلًا على شأنه، وحق على العاقل أن لا يظعن إلا في احدى ثلاث: زاد لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، عن خالد الربعي رضي الله عنه قال: وجدت فاتحة الزبور الذي يقال له: زبور داود عليه السلام- أن رأس الحكمة خشية الله تعالى.
وأخرج أحمد، عن أيوب الفلسطيني رضي الله عنه قال: مكتوب في مزامير داود عليه السلام: أتدري لمن أغفر قال: لمن يا رب؟ قال: للذي إذا أذنب ذنبًا ارتعدت لذلك مفاصله، فذلك الذي آمر ملائكتي أن لا يكتبوا عليه ذلك الذنب.
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال: مكتوب في الزبور، بطلت الامانة، والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين، يهلك الله عز وجل كل ذي شفتين مختلفتين. قال: ومكتوب في الزبور، بنار المنافق تحترق المدينة.
وأخرج أحمد، عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال: مكتوب في الزبور وهو أول الزبور: طوبى لمن لم يسلك سبيل الأثمة، ولم يجالس الخطائين، ولم يفيء في هم المستهزئين، ولكن همه سنة الله عز وجل، وإياها يتعلم بالليل والنهار، مثله مثل شجرة تنبت على شط تؤتي ثمرتها في حينها، ولا يتناثر من ورقها شيء، وكل عمله بأمري، ليس ذلك مثل عمل المنافقين.
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال: قرأت في الزبور بكبر المنافق يحترق المسكين.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: قرأت في آخر زبور داود- عليه الصلاة والسلام- ثلاثين سطرًا يا داود هل تدري أي المؤمنين أحب إلي أن أطيل حياته؟ الذي قال لا إله إلا الله أقشعر جلده، وإني أكره لذلك الموت كما تكره الوالدة لولدها، ولابد له منه، إني أريد أن أسره في دار سوى هذه الدار، فإن نعيمها بلاء، ورخاءها شدة، فيها عدو لا يألوهم خبالًا يجري منه مجرى الدم، من أجل ذلك عجلت أوليائي إلى الجنة.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن مالك بن مغول قال: في زبور داود مكتوب: إني أنا الله لا إله إلا أنا ملك الملوك قلوب الملوك بيدي، فأيما قوم كانوا على طاعة جعلت الملوك عليهم رحمة، وأيما قوم كانوا على معصية، جعلت الملوك عليهم نقمة، لا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك، ولا تتوبوا إليهم، توبوا إليَّ أعطف قلوبهم عليكم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.
قوله تعالى: {الذي فَطَرَكُمْ}: فيه ثلاثة أوجه، أحدُها: أنه مبتدأٌ وخبرُه محذوف، أي: الذي فطركم يعيدُكم. وهذا التقديرُ فيه مطابقةٌ بين السؤالِ والجوابِ. والثاني: أنه خبرُ مبتدأ محذوف، أي: مُعِيْدُكم. الذي فطركم. الثالث: أنه فاعلٌ بفعلٍ مقدر، أي: يعيدُكم الذي فطركم، ولهذا صُرِّح بالفعل في نظيره عند قولِه: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم} [الزخرف: 9].
و{أَوَّلَ مَرَّةٍ} ظرفُ زمان ناصبُه {فَطَركم}.
قوله: {فسَيُنْغِضُون}، أي: يُحَرِّكونها استهزاءً. يقال: أَنْغَضَ رأسَه يُنْغِضها، أي: حَرَّكها إلى فوقُ، وإلى أسفلَ إنغاضًا، فهو مُنْغِضٌ، قال:
أَنَغَضَ نحوي رأسَه وأَقْنَعا ** كأنه يطلُبُ شيئًا أَطْمعا

وقال آخر:
لَمَّا رَأَتْنِي أَنْغَضَتْ لِي الرَّأْسا

وقال أبو الهيثم: إذا أُخْبِرَ بشيءٍ فَحَرَّك رأسَه إنكارًا له فقد أَنْغَضَ، قال ذو الرمة:
ظَعائِنُ لم يَسْكُنَّ أَكْنافَ قريةٍ ** بِسِيْفٍ ولم تَنْغُضْ بهنَّ القَنَاطِرُ

أي: لم تُحَرَّك، وأمَّا نَغَضَ ثلاثيًا، يَنْغَضُ ويَنْغُضُ بالفتح والضم، فبمعنى تَحَرَّك، لا يتعدَّى يقال: نَغَضَتْ سِنَّه، أي: تَحَرَّكت، تَنْغُضُ نَغْضًا ونُغوضًا. قال:
ونَغَضَتْ مِنْ هَرَمٍ أسنانُها

قوله: {عسى أَن يَكُونَ} يجوز أن تكونَ الناقصة، واسمُها مستترٌ فيها يعودُ على البعثِ والحشرِ المدلولِ عليهما بقوة الكلام، أو لتضمُّنِه في قوله: {مَبْعوثون}، و{أن يكونَ} خبرُها، ويجوز أن تكونَ التامَّةَ مسندةً إلى {أنَّ} وما في حيِّزها، واسمُ {يكونَ} ضميرُ البعثِ كما تقدَّم.
وفي {قريبًا} وجهان، أحدُهما: أنه خبر {كان} وهو وصفٌ على بابِه. والثاني: أنه ظرفٌ، أي: زمانًا قريبًا، و{أن يكونَ} على هذا تامةٌ، أي: عسى أن يقع العَوْد في زمانٍ قريب.
قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ}:
فيه أوجهٌ: أحدُها: أنه بدلٌ من {قريبًا}، إذا اَعْرَبْنا {قريبًا} ظرفَ زمان كما تقدم. الثاني: أنه منصوبٌ ب {يَكونَ} قاله أبو البقاء، وهذا مَنْ يُجيز إعمالَ الناقصةِ في الظرفِ، وإذا جَعَلْناها تامَّةً فهو معمولٌ لها عند الجميع. الثالث: أنه منصوبٌ بضميرِ المصدرِ الذي هو اسمُ {يكون} أي: عسى أن يكونَ العَوْدُ يوم يَدْعوكم. وقد منعه أبو البقاء قال: لأنَّ الضميرَ لا يعمل يعني عند البصريين، وأمَّا الكوفيون فيُعملون ضميرَ المصدرِ كمُظْهِرِه فيقولون: مروري بزيدٍ حَسَنٌ، وهو بعمروٍ قبيحٌ وعندهم متعلِّق ب {هو} لأنَّه ضمير المرور، وأنشدوا قول زهير على ذلك:
وما الحربُ إلا ما عَلِمْتُمْ وذُقْتُمْ ** وما هو عنها بالحديثِ المُرَجَّمِ

ف {هو} ضميرُ المصدرِ، وقد تَعَلَّق به الجارُّ بعده، والبصريون يُؤَوِّلونه. الرابع: أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدر، أي: اذكُرْ يومَ يَدْعوكم. الخامس: أنه منصوبٌ بالبعثِ المقدَّر، قالهما أبو البقاء.
قوله: {بحَمْدِه} فيه قولان، أحدُهما: أنها حالٌ، أي: تستجيبون حامِدِين، أي: منقادين طائعين. والثاني: أنها متعلقةٌ ب {يَدْعوكم} قاله أبو البقاء وفيه قَلَقٌ.
قوله: {إِن لَّبِثْتُمْ} {إنْ} نافيةٌ، وهي معلِّقَةٌ للظنِّ عن العمل، وقلَّ مَنْ يذكرُ {إنْ} النافيةَ، في أدواتِ تعليق هذا الباب. و{قليلًا} يجوز أن يكونَ نعتَ زمانٍ أو مصدرٌ محذوفٌ، أي: إلا زمانًا قليلًا، أو إلا لُبْثًا قليلًا.
قوله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي}:
تقدَّم نظيرُه في إبراهيم.
قوله: {إِنَّ الشيطان يَنزَغُ} يجوز أن تكونَ هذه الجملةُ اعتراضًا بين المفسَّر والمفسِّر، وذلك أنَّ قولَه: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} وَقَعَ تفسيرًا لقوله: {التي هِيَ أَحْسَنُ} وبيانًا لها، ويجوز أن لا تكونَ معترِضَةً بل مستأنفةٌ.
وقرأ طلحة: {يَنْزِغ} بكسر الزاي وعما لغتان، كيَعرِشون ويَعْرُشون، قاله الزمخشري. قال الشيخ: ولو مَثَّل ب يَنْطَح ويَنْطِح كأنه يعني من حيث إن لامَ كلٍ منهما حرفُ حَلْقٍ، وليس بطائلٍ.
قوله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السماوات}:
في هذه الباءِ قولان، أظهرُهما: أنها تتعلَّقُ ب {أَعْلَمُ} كما تَعَلَّقَتْ الباءُ ب {أَعْلَمُ} قبلها، ولا يلزمُ مِنْ ذلك تخصيصُ علمِه بمَنْ في السماوات والأرض فقط. والثاني: أنها متعلِّقَةٌ ب {يَعْلَمُ} مقدرًا. قاله الفارسي محتجًا بأنه يَلْزَمُ مِنْ ذلك تخصيصُ عِلْمِه بمَنْ في السماوات والأرض، وهو وَهْمٌ، لأنه لا يَلْزَمُ من ذِكْرِ الشيءِ نَفْيُ الحكمِ عَمَّا عداه. وهذا هو الذي يقول الأصوليون: إنه مفهومُ اللقَب، ولم يَقُلْ به إلا أبو بكر الدقاق في طائفةٍ قليلة.
قوله: {زَبُورا} قد تقدَّم خلافُ القراءِ فيه، ونكَّره هنا دلالةً على التبعيضِ، أي: زَبُورًا من الزُّبُر، أو زَبُورًا فيه ذِكْرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأُطْلِقَ على القطعةِ منه زَبورٌ، كما يُطْلَقُ على بعضِ القرآن، ويجوزُ أَنْ يكونَ زَبُور عَلَمًا، فإذا دَخَلَتْ عليه أل كقولِه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور} [الأنبياء: 105] كانت لِلَمْحِ الأصلِ كعبَّاس والعبَّاس، وفَضْل والفضل. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)}.
أخبر- سبحانه وتعالى- أنه لا يتعصَّى عليه مقدورٌ لأنه موصوف بقدرة أزلية، وقُدْرَتُه عامَّةُ التعلق: فلا المشقة تجوز في صفته ولا الرفاهية. فالخلْقُ الأول والإعادة عليه سِيَّان؛ لا مِنْ هذا عائدٌ إليه ولا من ذاك، لأن قِدَمَه يمنع تأثير الحدوث فيه.
{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)}.
يدعوكم فتستجيبونه وأنتم حامدون. فالحمد بمعنى الشكر، وإنما يشكر العبدُ على النعمة والآية تدل على أنهم- وهم في قبورهم- في نعمته.
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} القولُ الحسنُ ما يكون للقائل أن يقوله. ويجوز أن يكون الأحسن مبالغة من الحَسَنِ، فعلى هذا الأحسن من القول ما لا يجوز تركُه. ويقال الأحسن من القول ما يخاف قائله من العقوبة على تركه. ويقال الأحسن من القول إقرار المُحِبَّ بعبودية محبوبه.
ويقال أحسنُ قولٍ من المذنبين الإقرارُ بالجُرْم، وأحسنُ قولٍ من العارفين الإقرارُ بالعجز عن المعرفة، قال صلى الله عليه وسلم: «سبحانك لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك».
قوله جلّ ذكره: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَآ أَرْسَلنَاكَ عَلَيْهِمْ وََكِيلًا}.
سَدَّ على كلِّ أحدٍ طريقَ معرفته بنفسه ليتعلَّق كُلُّ قلبه بربه. وجَعَلَ العواقبَ على أربابها مشتبهةً، فقال {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} ثم قدَّمَ حديثَ الرحمةِ على حديث العذاب، فقال: {إِن يَشَأْ يِرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} وفي ذلك تَرَجِّ للأمل أَنْ يَقْوى.
ويوصف العبدُ بالعلم ويوصف الربُّ بالعلم، ولكن العبدَ يعلم ظاهرَ حاله، وعِلْمُ الرب يكون بحاله وبمآله ولهذا فالواجب على العبد أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى وهذا معنى: {إِن يَشَأْ يِرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} بعد قوله: {أَعْلَمُ بِكُمْ}.
قوله جلّ ذكره: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّنَ عَلَى بَعْضٍ وَءَاتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا}.
فَضَّل بعضَ الأنبياءِ على بعضِ في النبوةِ والدرجة، وفي الرسالة واللطائف والخصائص. وجعل نبيَّنا صلى الله عليه وسلم أَفضلهم؛ فهم كالنجوم وهو بينهم بَدْرٌ، وهم كالبدور وهو بينهم شمس، وهم شموسٌ وهو شمسُ الشموس. اهـ.